الإنسان
و هو يبكي ، هو الآن في وضع تهيئة ، و جاهز للتقبل والتلقي , وجاهز
لمخاطبة الشعور مباشرة ، فهو منفتح في هذه الحالة , فكل ما تُعدّه له فسوف
يكون في أماكنه ، فالباب مفتوح . و إذا استطعت أن تجعل الآخر يبكي ، فأنت
الآن حصرت التهيئة و أصبحت جاهزة , و مثلما أن الإنسان يحب الذي يضحكه ،
فهو يحب أكثر الذي يبكيه , فإن استطعت أن تبكيه فسيحبك مباشرة .
لماذا
الناس إذا رأوا شخصاً يبكي يحاولون أن يسكتوه ؟ ذلك من أجل أنه يفتح
شعوراتهم مثله ، فهم كاتمون على شعوراتهم وإلا فمن المفترض أن يبكوا معه,
ويبكون و يبكوا حتى تنزل دموعهم فتغسلهم و تصفي قلوبهم, بل حتى أن بعض
الناس يتعيّبون الدموع ! إن الله خلق البكاء والدموع و هم يرونه شيئاً
ممنوعاً !! بينما هو أمر طبيعي و يقوم بدوره ..
و
ربما يعتقد كثير من الناس أن الذي يبكي يتعذب ، و هم يحاولون منعه من أجل
تخفيف العذاب .. لا بالعكس , فهو الآن يتطهر .. فدموعه و بكاؤه تطهّره ، و
شعوره ينطلق , أي أنه يعبّر , فهم لا يريدونه أن يعبـّر عن شعوره ..
فالبكاء
مثل الضحك تعبير عن الشعور, هم يريدونه أن يضحك دائما ولا يريدونه أن يبكي
أبداً , وهذا خطأ ، فكثرة الضحك تميت القلب, فلابد من الضحك ولابد من
الدموع .أروع ما يكون الإنسان : الضاحك الباكي ..
و
من جهل بعض الناس إسكات الباكي لاعتقادهم أنه حزين , فإذا سكت و كفكف
دموعه فهو ليس بحزين الآن ، وهذا ليس صحيحا , فوجهه الكئيب و دموعه
المحبوسة أسوأ و أكثر مرضاً له من أن يطلق شعوره و يبكي كما يحلو له أن
يبكي , فبعد البكاء تجده يصبح أطيب وأنقى , وتستطيع أن تؤثر به و تتكلم معه
عما تريد بسهولة.
لكن
الشخص العابس الذي يكبت شعوره وكأن فيه مرضاً بداخله, فالبكاء يجعله و
كأنه يُخرج الطاقة السيئة التي في داخله , فمن مصلحة الشيطان ألا تبكي , و
البكاء من صفات الصالحين و الأنبياء , وكون الإنسان قريب الدمعة ، فهذا يدل
على الخير في داخله ..
والأنبياء
والصالحين معروفين بكثرة الدموع , وما أجمل و ألذ الدموع في مناجاة الله ,
هذه هي الدمعة الثمينة التي يتلذذ بها صاحبها , فلو كان البكاء شيئا مزعجا
لانزعج الباكي من حب الله , فهو مسرور ويريد أن يستمر .
والطفل
يبكي ، فلماذا هو يبكي ؟ هو يعبر عن شعوره بطريقة تلقائية , هو يعبر عن
الخطأ وعن أي خلل من الآخرين و مما حوله من البيئة بالبكاء , فإذا كبر لا
يبكي !! لماذا؟ ألم يكن يبكي صغيراً ؟ ما الذي حدث ؟ الآن توقفت وظيفة
فيسيولوجية , وهي لم توجد عبثا .